أخوتي وأخواتي
إن العاقل لا يخلو عن ساعة يحاسب فيها نفسه , ولقد رأيت من شدة تقصيري طاعة ربي وحرصي على الدنيا وزينتها ما أدهشني ، فأحببت أن أجرب ذلك ، وأخلو بنفسي ساعة، اسمع منها وأجيبها، لعل ذلك يكون سببا في إصلاحها وتزكيتها . وكان من ثمار هذه الخلوة الحوار التالي :-
خداع النفس
قالت النفس:
أنت دائما ما تتهمني وتحرمني ما أريد , فلماذا لا تتهاون معي قليلا , واعدك إنني لن آمرك بشيء يضرك.
قلت:
هذه مخادعة , ولو تهاونت معك ، فانك لن تكفى عن الأمر بالسوء ، وتزيين المعاصي في عيني ، وحثي عل ارتكابها ، هذه عادتك . قال الله تعالى:
(ِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ) (يوسف53)
واخبر سبحانه أن الشرور التي تصيب الإنسان هي منك ، فقال (ما أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍفَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً) (النساء:79).
فأنت جبلت على ذلك ، ولا تستطيعين التخلص منه بمفردك، ولكني أستطيع ذلك بمعونة ربي ، عن طريق مجاهدتك ومحاسبتك والتشديد عليك.
التزكية
· قالت النفس اخبرني كيف تستطيع تغييري عما جبلت عليه؟
· قلت إن أعظم صفاتك هما الجهل والظلم ، ومنها يصدر كل فعل أو قول قبيح وبمعونة الله تعالى أستطيع إخراجك من هذين الوصفين ، بالعلم النافع والعمل الصالح.
فبالعلم النافع أستطيع إخراجك عن صفة الجهل وبالعمل الصالح أستطيع
إخراجك عن صفة الظلم.
· والعلم لا يكون نافعا إلا إذا استضاء بنور الكتاب والسنة والعمل لا يكون صالحا إلا إذا توافر فيه شرطان هما:
*الإخلاص لله تعالى فيه.
* والمتابعة للرسول (صلى الله عليه وسلم)
فالرياء يبطل العمل ويوجب العقوبة،وكذلك البدع والمحدثات لا تعد من الأعمال الصالحة،بل هي مردودة على أصحابها.
الاحتجاج بالقد ر
قالت النفس :
بعد أن ضيقت عليها الخناق ....... وما ذنبي في أن قدر الله علي ارتكاب الذنوب , إنني مجبرة على ذلك , ولا أستطيع التخلص مما قدره الله علي فلو ما شاء الله منى الطاعة لأطعت , ولو شاء منى المعصية لعصيت !
قلت:
الآن تكشّفت حقيقتك , وأخرجت ما بداخلك , واحتججت بما احتج به المشركون كما قال تعالى : (َيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْم ٍفَتُخْرِجُوهُ لَنَاإِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ) (الأنعام: 148 )
ثم اخبر تعالى إن هذه الحجة لا تقوم على برهان صحيح ، وإنما هي الظنون الكاذبة والأوهام الباطلة (قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْم ٍفَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ) (الأنعام: 148 )
لماذا يحتج الإنسان بالقدر في حال المعصية فقط ؟ لماذا لا يحتج بالقدر عند الطاعة؟
ولماذا لا يترك العمل للدنيا ويستسلم للفقر ويحتج على ذلك بالقدر؟ لماذا لا يترك طعامه وشرابه وذهابه إلى الطبيب واخذ الدواء ويستسلم للجوع والعطش والمرض ويقول: إن الله كتب علي ذلك.
*لو كان القدر عذرا للعصاة والمجرمين لكانت الأمم السابقة التي أهلكها الله عز وجل معذورة هي الأخرى فيما صنعت ولبطلت بذلك اغلب نصوص الوعد والوعيد.
ومما يدل على بطلان هذا الاحتجاج أن هذا المحتج ذاته إذا اعتدى عليه إنسان . فأخذ ماله أو انتهك حرمته، واحتج عليه المعتدى بالقدر وقال له : لا تلمني فأن اعتدائي
عليك كان بقدر الله فأن هذا المعتدى عليه لن يقبل هذا الاحتجاج , ولن يعد ذلك عذرا
فلماذا يحتج على الله عز و جل بشيء لا يقبله هو ولا يرضاه ولا يقرُه؟
* أن الاحتجاج بالقدر يلزم منه أن يستوي أولياء الله وأعداؤه , والمؤمنون والفجار,
والعصاة والأبرار ؛ لأنهم جميعا مجبورون على أعمالهم لا اختيار لهم فيها على حد
زعم هؤلاء , وهذا من أبين البطلان وأعظم الكذب والافتراء . قال تعالى: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) (سورة القلم )
( لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةَِ أصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ ) ( الحشر 20)
فالله تعالى منح عباده الإرادة والاختيار , وجعل لهم المشيئة والتميز , فمن شاء اهتدى وكان من السعداء , ومن شاء كفر وكان من الأشقياء قال تعالى (فَمَن شَاءفَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) (الكهف 29) وكل ميسر لما خلق له.
أخوتي وأخواتي: تعالوا معي نحاسب أنفسنا قبل أن يأتي يوم الحساب ,ولا نجد جواب لما عملنا من معاصي أمام الخالق الأعظم هيا معي نطهر أنفسنا من المعاصي ومن الشرور فأن الله غفور رحيم (قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) (الأعراف : 156 )