خلطة الحب !!
بقلم : كريم الشاذلي *
نظرًا للصداقة القديمة التي كانت تربطنا، قررت قبول الدعوة التي وجهها لي صديقي "مهاب" فقد افتتح حانوتا "للعطارة" ومن حقه علي أن أهنئه على مشروعه الخاص ، وارتقائه أولى درجات سلم الرأسمالية!.
سألتُ زوجتي عما ينقص مطبخها من الفلفل والكمون والبهارات، وانطلقتُ إلى وجهتي.
وبالرغم من كون "مهاب" محاسبًا محترمًا بإحدى الدوائر الحكومية، إلا أن به شغفًا كبيرًا بالوصفات الشعبية، وكان يُلزم أصدقاءه ـ وأنا أحدهم ـ بمناداته بلقب "دكتور"!، ولم لا .. وهو المستشار الأول عند كل مغص، المستنجد به حال ارتفاع حرارة الجسم أو اضطراب المعدة!.
دخلتُ على صاحبي والبِشر يرتسم على محياي، فوجدته يتحدث مع شيخ هرم بصوت منخفض يوحي بالخطورة، وهو يدس في يده كيسًا به بعض الأعشاب التي لم أتبين هويتها، فما أن رآني حتى هلل مرحبًا، و دعاني للجلوس بعدما ودع الرجل العجوز وهو يعده بليلة ستقصها "شهرزاد" المستقبل على "شهريارها".
لم أستطع كتم فضولي فسألت صاحبي عن أمر هذا الشيخ، فابتسم بطرف شفتيه وهو يقول: "كما ترى يبحث عن دافع للحياة، فأتحفته بآخر وصفاتي".
فقلت وأنا أسترجع خطوات الرجل التي ـ بالكاد ـ نقلته خارج الدكان : هل تقصد ...!؟
قاطعني قائلا وابتسامته الواثقة تزداد حتى التهمت وجهه كله: نعم يا سيدي، أعطيته خلطة القوة .. "فياجرا" الفقراء كما أسميها!!.
قلت له مستنكرًا: يا رجل أين لمثل هذا الشيخ بهذه الأمنيات، إنه يقضم تفاحة الحياة بأسنان صناعية!.
لم أكد أتم جُملتي إلا ودخل شاب في منتصف الثلاثينيات من عمره، وصافح صديقي بحرارة قائلا: دكتور "مهاب"، سمعت عن خلطتك الأخيرة، صديقي "حسام" جربها وأثنى عليها، لماذا تضن علينا بوصفاتك السحرية؟.
نظر لي صديقي وابتسامة ساخرة منتصرة تتلاعب على شفتيه، ثم قام مسرعًا وناول الشاب كيسًا به بعض الأعشاب المختلفة، ثم أقبل ناحيتي مقهقهاً وقال: كلهم يأتون إلي يا صديقي، من ابتدأ حياته للتو، ومن يودعها، لو أنصفت وباقي الشلة، لأسميتموني بائع السعادة!.
قلت محتجاً: بل بائع الأوهام.
فقال : لا لا، أستغفر الله ، إن هى إلا بضعة أعشاب مفيدة ، يتناولها آباؤنا وأجدادنا منذ قديم الأزل وينصحون بها أبناءهم، وأبيعها أنا بسعر التكلفة".
قلت في جدية: إن سعادة الفراش، لا يختزلها ( قرص أزرق )، ولا وصفة سحرية، إنها سيمفونية متكاملة، يتعذر كثيرًا على أمثال هؤلاء استيعابها".
مط شفتيه ثم تمتم بعدم اقتناع قائلا : لم أفهمك !! .
فقلت موضحا: العلاقة الخاصة بين الزوجين هي قمة المتعة، ورأس السعادة الزوجية، وهي مؤشر هام على حالة الزواج، ويستطيع من خلالها اللبيب قياس حرارة الحب والمودة في زواجه.
وفي الفراش للرجل حاجيات يريد إشباعها، كذلك للمرأة مطالب تتمنى تحقيقها. المسألة ليست عضوية في كل الأحوال، بل ليست كذلك في معظم الأحوال، إنها هنا يا صديقي .. ثم أشرت إلى عقله.
صمت صاحبي وقال: كيف إذن نحافظ على حرارة الحب، ونتمتع بعلاقة مثيرة على الدوام ؟
فأجبته : هناك ثمة عوامل رئيسية مهمة لأي شخص منا، يجب فهمها كي تصبح علاقته رائعة.
أولها تفهم طبيعة الطرف الآخر: أقدم المشاكل الزوجية عامة ـ والجنسية خاصة ـ أننا نحكم على الطرف الآخر من خلال رؤيتنا، نتصور أنه يرى بأعيننا ويستوعب بنفس طريقتنا، وهذا غير صحيح البتة!.
ودعني أوضح لك الأمر أكثر، فالرجل يتعامل مع الجنس كحاجة بيولوجية يسعى لإروائها، ويا حبذا لو كانت مع من يحب القلب ويهوى الفؤاد، أما المرأة فالحب بالنسبة إليها دليل حب وبرهان مودة، الرجل يتأثر جدًا بالصور المثيرة لذا نجد أن هناك بيوت أزياء ومصممين عالميين لصنع ملابس ساخنة خاصة بالمرأة، ولا نجد هذا الأمر بالنسبة للرجال، ذلك لأن المرأة لا تستثار من خلال المشاهد المرئية وإنما من خلال الكلمات الرومانسية الرقيقة.
هذا أول ما يجب عليك معرفته فمفتاح قلب المرأة أذناها، بينما مفتاح الرجل عيناه.
المرأة يجب أن تهتم بالملابس ووسائل الإثارة .. والرجل يجب أن يهتم بالحديث الحلو والكلام المعسول.
ثانيًا تقدير الطرف الآخر: العلاقة الجنسية تقوى بتقدير كل طرف لما يبذله الطرف الآخر من أجل إسعاده، الرجل دائمًا ما يشغل باله كثيرًا مستوى أدائه، وهل استطاع أن يمتع شريكه أم لا، إنها النزعة الذكورية القديمة كما تعلم، بينما المرأة تكتسب ثقتها في جسمها وأدائها من كلمات الزوج، ودائما ما يرتقي أداؤهما الجنسي بالثناء والشكر والتقدير.
فيجب إذن أن تقدر الطرف الآخر وتثني على ما قدم وإن كان بسيطًا .
ثالثًا الوفاء بالحقوق والإيثار المشترك: فالأصل في العلاقة الزوجية قول ربنا جل وعلى ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)، فالعدل ومراعاة الحقوق، والحرص على أداء الواجبات قبل المطالبة بالحقوق هو الأصل في العلاقة الجنسية، فلا يحق لطرف ـ خاصة الرجل ـ أن يطالب بحاجته حتى إذا ما انتهى منها أدار ظهره لشريكه تاركًا إياه يشتكي الظلم الذي لا يملك له ردًا أو دفعًا!.
بل يجب أن تتقي الله في شريك عمرك، وأن تكون مهتمًا بإعطائه حقه كاملا في الفراش .
رابعا المصارحة: بلا شك ستريد من شريك حياتك أمرًا ما، أو سيزعجك منه شيء ما، معظم الأزواج للأسف يتعاملون مع العلاقة الجنسية بكتمان وسرية، بالرغم من كونها علاقة طبيعية جدًا، وممارسة نمارسها بشكل دوري، وليس من المنطقي أن نأمل في تغيير شيء ما فيها ونتعلل بالخجل ولا نتناقش مع الطرف الآخر فيها .
هذه يا صديقي هي النقاط الأربع التي دائمًا ما نهملها في علاقتنا الخاصة مع شريك حياتنا، ونظن أن المشكلة تكمن في مرض عضوي ، وأن الحل ستأتي به وصفة ما !.
إن العلاقة الجنسية شيء بالغ الأهمية والاحترام، هي عملية حساسة تدور في العقل والوجدان قبل أن تكون عملية ديناميكية تجري على الفراش.
والمرء الذي يريد أن يحافظ على سعادته الزوجية يجب أن يؤمن بأهمية الحوار والاحترام، وأن يلتزم بمراعاة ضوابط الشرع والعلم في هذه المسألة.
ـ تنحنح صاحبي وقال محاولا رسم علامات الفهم على وجهه: ما تقوله صحيح ومعروف، ولكن هناك بالطبع مشكلات تحتاج إلى علاج، سواء بالنسبة للرجل أو للمرأة.
فقلت : نعم، هناك بعض السلبيات في ممارسات كلا الزوجين، تعمل عملها في إرباك عملية التواصل الزوجي، دعني أخبرك بهما:
فمما تأخذه النساء على الرجال في العلاقة الخاصة:
· عدم الاهتمام بمرحلة البداية: يهمل كثير من الرجال فترة المداعبة، ولا يفتتحون مهرجان الحب بالشكل المثالي، وينبع هذا الأمر من أحد شيئين، إما لانعدام ثقة الزوج في مقدرته على إدارة الأمور بالشكل السليم، وإما ـ وهذا الأغلب ـ عن جهل بأهمية تلك الفترة بالنسبة للمرأة، الخبر المؤسف بالنسبة لهؤلاء أن المرأة تعد هذه المرحلة أهم من مرحلة الجماع نفسها، وتعد العملية الجنسية فاشلة برمتها، إذا لم تُكلل هذه المرحلة بالنجاح الكافي!.
· الصمت المطبق: بالنسبة للمرأة ليست المناطق الجنسية فقط هي أعضاء اللذة لديها، وإنما جسدها كله يشترك في "كرنفال" الحب المقام، ومن أحد أهم الأعضاء التي لا يُلقي لها كثير من الرجال بالا هو (الأذن)، المرأة تحتاج أن تسمع كلمات الحب والهيام أثناء العلاقة، تشتاق أن تعترف لها بأنها مثيرة رائعة محبوبة، يسعدها كثيرًا أن تخبرها بأنها قد أسعدتك وبأنها تمتلك كل ما يرضيك .. كرجل.
· غض الطرف عن الأشياء الجميلة: ثوب جديد، عطر أخاذ، تسريحة شعر مختلفة، تهيئة خاصة للجو، كل هذه الأشياء لم يرها الزوج وكأنها لم تكن !!. وهذه أحد الأشياء التي تُحزن الزوجة، خاصة وأنها حينما تتعب في إضفاء شيء مختلف تفعله من أجل زوجها لا غيره، فإذا لم يلاحظ هو فمن يلاحظ؟!، وإذا لم يشكرها ويقدرها فمن ذا الذي سيفعل؟!.
·
· ترك النهاية مفتوحة: عندما ينتهي الرجل من نيل مأربه يدير ظهره ويدع زوجته، كثيرون للأسف يفعلون هذا!، وهذا أحد أهم الأسباب التي تسبب ألمًا كبيرًا للزوجة، فكما أسلفت هي لا تعنيها العملية الميكانيكية بقدر ما تعنيها اللمسات الحانية، نعم تسعد أثناء الممارسة الجنسية مثلك تمامًا، لكنك قادر على إطفاء سعادتها إذا لم تنهِ الأمور بالشكل المناسب.
أما ما يأخذه الرجال على النساء في العلاقة الخاصة:
· الزهد في الزينة والتجمل: للأسف كثيرات يفعلن هذا إما تكاسلا وإما لعدم وجود الوقت الذي يسمح بذلك، فالأعمال المنزلية، والأولاد، وغيره من المشاغل قد أثقلت كاهلها لم تترك لها وقتًا أو تركيزًا للاهتمام بنفسها، والأمور على كل الأحوال ـ حسب زعمها ـ ستنتهي كما ينبغي!، والرجل حتى وإن قدّر لها الجهد الذي تبذله في البيت فهو لا يسامحها أبدًا على تقصيرها في إسعاده.
· سلبيتها قبل وأثناء العملية الجنسية: عندما يطلب الرجل زوجته فترفض أو تلبي بفتور وتكاسل فإنها تبعث برسالة إلى ذكورته مفادها (لا أريدك)، وحينما لا تكون إيجابية أو مثيرة في الفراش فإن هذه الرسالة يتم تأكيدها بشكل قاطع.
الرجل يريد أن يرى نفسه مطلوبًا على الدوام بالنسبة لزوجته، فإذا لم تكن تريد لسبب أو أكثر فيجب أن يكون رفضها لطيفًا مبررًا، ولا يتعرض لشخصه أبدًا، وأثناء العلاقة يحب الرجل الزوجة التي تخبره بكل حواسها كم هو رائع، وتتفاعل بشكل إيجابي مع مطالبه واحتياجاته.
· عدم مجاراته حينما يطلب التغيير: كلنا نمل الروتين، والرجال أكثر شوقًا إلى كسر القواعد والتغيير المستمر، وفي العلاقة الخاصة يضجر الرجل كثيرًا حينما ترفض زوجته التجاوب معه ومجاراته فيما يريد، النساء استنادًا إلى تربيتنا الشرقية المحافظة يجدن حرجًا في التغيير والإبداع، وهذا للأسف شيء غير محمود، فالروتين هو عدو الحيوية، وإذا تمكن من حياتنا فسيحيلها إلى قطعة ثلج باردة منزوعة الدفء والحياة .
أنهيت حديثي ونظرتُ إلى صاحبي ، فوجدته ينظر لي بألم وكأنني خيبت أمله ثم قال: لم تذكر شيئا عن وصفاتي في نصائحك !!.
فكظمتُ غيظي وأنا أفتح باب الدكان خارجًا، وأنا أبحث عن أقرب محل "عطارة" كي أشتري ما طلبته مني زوجتي.
* كاتب وباحث في مجال العلاقات الأسرية