يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا فإنه أهون عليكم غدًا في الحساب أن تحاسبوها وتزينوا للعرض الأكبر {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ}[3]. [4]
تلكم هي النفوس الصادقة التي لا تفتأ من محاسبة نفسها ومحاكمة أفعالها...
لا تغيب عنها المساءلة ولا تستهويها الغفلة...
بل هي دائما لوامة...
يقول الحسن رحمه الله تعالى عند قول الله تعالى: {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ}[5]: إن المؤمن والله لا نراه إلا وهو يلوم نفسه ما أردتُ بكلمتي ما أردتُ بأكلتي ما أردتُ بحديث نفسي أما الفاجر فيمضي قُدُمًا قُدُمًا لا يعاتب نفسه[6].
وهذه الصديقة بنت الصديق عائشة الطاهرة المبرأة من السماء، يسألها أحد المسلمين عن قول الله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} [7] ما معناها يا أماه؟
قالت الصديقة: يَا بُنَيَّ كُلُّ هَؤُلاَءِ فِي الْجَنَّةِ فَأَمَّا السَّابِقُ إِلَى الْخَيْرَاتِ فَمَنْ مَضَى عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَهِدَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحَيَاةِ وَالرِّزْقِ...
وَأَمَّا الْمُقْتَصِدُ فَمَنْ تَبِعَ أَثَرَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى لَحِقَ بِهِ...
وَأَمَّا الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ فَمَثَلِي وَمَثَلُكُمْ. قَالَ: فَجَعَلَتْ نَفْسَهَا مَعَنَا [8].
قال ابن كثير رحمه الله: وهذا منها، رضي الله عنها، من باب الهَضْم والتواضع، وإلا فهي من أكبر السابقين بالخيرات؛ لأن فضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام.[9]
إن محاسبة النفس سمة المؤمن وشعار الصادق وعنوان المخلص, ذلكم هو الكيس لا العاجز: الكيس أي الفطن من دان نفسه أي اتهمها وحاسبها وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني[10].