إن من أجمل ما في الحياة أخي الداعية أن تشعر بأنك تقدّم شيئاً للآخرين، وليس هناك أعظم وأكبر من نعمة الهداية التي تقدمها للناس، فالداعية نور يضيء الطريق للآخرين..
من أجل ذلك أحببت أن أجمع بعض الوسائل الدعوية المتناثرة في الكتب الدعوية لممارستها في واقع الناس لتوصيل الخير لهم، ودعوتهم إلى الله.
أخي الحبيب: لم تكن الدعوة إلى الله لتنحصر يوماً مّا في إلقاء كلمة أو درس أو تأليف كتاب، بل هي أوسع من ذلك فهي تشمل قدرتك على الإبداع والابتكار في إيصال الخير للغير مع تنوّع الأساليب والطرق؛ فكل من يسعى ويعمل لدينه ولو بالقليل فهو داعية إلى الله..
والداعية هو الذي يعين الآخرين على طريق الخير وبجهده المخلص وعمله النشط يتلقّى الناس الهداية والنور والفلاح في الدنيا والآخرة، والله الموفق، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً..
الهدف من هذه الوسائل الفردية:
1- توظيف المسلم لخدمة دينه ومجتمعه.
2- غرس الحسّ الدعوي لدى الأفراد لتغيير الواقع إلى الأحسن.
3- وضع برنامج دعوي لشغل أفراد الدعوة بما ينفع الإسلام والمسلمين.
4- تهيئة الناس للعمل للآخرة، وفعل الطاعة، كي ينتشر الخير بين الناس.
5- تحريك كوامن الخير في نفوس الناس.
6- عدم الاعتماد على الجهد الجماعي.
المقصود من الرسالة:
أن ينطلق المسلم بمفرده من خلال هذه الوسائل في ميدان الدعوة إلى الله لنشر الخير لعموم المسلمين ونقلهم من محيط المعصية إلى محيط الطاعة، ومن محيط الغفلة عن الدين إلى محيط العمل به.
التعريف بوسائل الدعوة:
هي ما يستعين به الداعية على تبليغ دين الله لغرض التأثير على الناس وتهيئتهم للعمل للآخرة.
أين يمارس الفرد هذه الوسائل؟
هناك ميادين يمكن للداعية أن يمارس نشاطه الدعوي من خلالها:
1- محيط الأسرة من زوجة وأولاد وأقارب وأرحام.
2- المسجد وجماعته.
3- مكان التعليم ( المدرسة، الجامعة، المعهد ).
4- تجمعات الناس العابرة وغيرها، ولا سيّما الشباب منها خاصة.
5- مكان العمل.
6- الحي الذي يسكنه الفرد والأحياء المجاورة له.
7- اللقاءات والمناسبات العامّة للأسرة وغيرها.
8- القرى والهجر.
9- عند السفر.
10- القوافل الدعوية.
فضل توصيل الخير للغير:
قال تعالى: ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير .
مما يبين عظيم مكانة توصيل الخير للغير: ما أخبر به الرسول الأمين في الأحاديث التالية:
أ - عن أبي هريرة أن رسول الله قال: { من دعا إلى هدىً كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً... } [رواه مسلم].
وقفة مع هذا الحديث الشريف:
1- في قوله : { من دعا } لم يحصر النبي كيفية الدعوة في وسيلة أو أسلوب محدد بل تركها مطلقة.
2- في قوله : { إلى هدى } نكرة مطلقة من جنس ما يقال له: هدى. وهي: أي عمل أو قول مما فيه أجر وثواب. لذا على الداعية ألا يحقر أي عمل خير يدعو إليه الناس. قال : { لا تحقرنّ من المعروف شيئاً } ولنا في رسول الله أسوة حسنة فلم يترك صغيرة ولا كبيرة من الأعمال الصالحة إلا وأخبر بها أمته.
3- في قوله : { كان له من الأجر مثل أجور من تبعه } فيه الحث على السعي في الخير والدلالة عليه، لأن المتسبب بالعمل الصالح ينال مثل ما ينال الفاعل من الأجر والثواب. وهذا باب من الأجر لا يغلق، وهو يتنامى يوماً بعد يوم.
ب - عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله : { من دلّ على خير فله مثل أجر فاعله } [رواه مسلم].
وقفة مع هذا الحديث الشريف:
1- سبب الحديث: كما روى مسلم بأن رجلاً قال للنبي : احملني، قال: { ما عندي } قال رجل: يا رسول الله، أنا أدلّه على من يحمله، قال رسول الله : { من دلّ على خير... }.
2- في قوله : { من دلّ } لم يحصر كيفية الدلالة في نوع محدد بل تركها مطلقة، قد تكون الدلالة قولية، أو فعلية، أو كتابية... الخ. وهذه نعمة عظيمة من نعم الله تعالى، تفتح للداعية مجالات الدلالة على مصراعيها.
3- في قوله: { على خير } مطلق شائع في كل ما يقال له: خير، سواء كان قليلاً، أم كثيراً، علماً أم عملاً... الخ.
4- قال النووي رحمه الله تعالى معلّقاً على هذا الحديث: ( وفيه فضيلة الدلالة على الخير، والتنبيه عليه، والمساعدة لفاعله ).
ج - قال : { لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمُر النّعَم.. }.
وقفات دعوية مع هذا الحديث الشريف:
عندما يوفق الله تعالى داعية من دعاة الإسلام فيهيئ له من يقبل نصيحته ودعوته فإن نتائج القبول عظيمة كما ورد في هذا الحديث الشريف:
الأولى: إن في ذلك استنقاذاً لهذا المهتدي من النار، فالداعية يقدّم الجنة هدية للناس من حوله ويدلّهم على مقامات السعادة، وأي أجر يكتب للداعية عند ربه إلا الأجر الذي يليق بجلال المعطي سبحانه.
الثانية: إن كل تسبيحة أو تكبيرة ينطقها ذلك المهتدي، وكل ركعة وسجدة يفعلها، وكل عمل صالح يعمله، وكل إحسان يجريه الله على يديه، يكون في ميزان ذلك الداعية الناصح.
هذا إذا اهتدى رجل واحد، فما ظنك بمن يهدى به كل يوم طوائف من الناس؟!
الثالثة: إن من يهديه الله على يديك أيها المسلم إنما هو كَلَبِنَةٍ فٌكّت من بناء الذنوب والمعاصي ووضعت في بناء الطاعات وفعل الخيرات - وهو خسارة للشيطان وأعوانه، وكسب للرحمن وأنصاره.
أخي المسلم: قال : { إن الله وملائكته وأهل السماوات والأراضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلّون على معلّم الناس الخير } [رواه الترمذي].
هذا فضل من يوصل الخير، ويعلمه الناس، رحمة من الله، واستغفاراً ودعاءً من الملائكة والخلق أجمعين.
ومما يدل على فضل الداعية عند الله تعالى أن ثوابه لا ينقطع بموته، بل يستمر حتى بعد موته ما دام وجد من يعمل بدعوته ونصيحته، قال : { إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له } [رواه مسلم].
فتوصيل الخير للغير أجره وثوابه مضمون في الحياة وبعد الممات إذا أخلص العبد العمل لله تعالى.