الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فإن الناس في هذه الأيام يشكون من قلة الرزق وعدم البركة وكثرة أعباء الحياة ومستلزماتها، وأصبح طلب الرزق وتدبير المعاش مما يشغل بال الكثير منهم بل ويقلقه، حتى سلكوا في سبيل الحصول عليه كل مسلك، وسعوا إليه بكل سبيل، فهذا يغش ويسرق، وذاك يرابي ويرتشي، وثالث ينافق ويخادع، ورابع يسفك الدماء ويقطع الأرحام ويترك طاعة الله، وخامس... كل ذلك من أجل مجاراة الناس وتلبية مطالب النفس والأهل والولد.
ونسي هؤلاء أن الله تعالى شرع لعباده الأسباب التي تجلب الرزق وبيَّنها لهم، ووعد من تمسك بها وأحسن استخدامها بسعة الرزق، وتكفَّل لمن أخذ بها بالنجاة مما يحذر، والرزق من حيث لا يحتسب.
وإليك أخي الحبيب هذه الأسباب:
السبب الأول: تقوى الله تعالى
جعل الله تعالى التقوى من الأسباب التي تجلب الرزق وتزيده، فقال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:3،2]، فكل من اتقى الله ولازم مرضاته في جميع أحواله، فإن الله يثيبه في الدنيا والآخرة، ومن جملة ثوابه أن يجعل له فرَجاً ومخرجاً من كل شدة ومشقة، ويسوق إليه الرزق من وجه لا يحتسبه ولا يشعر به.
يقول ابن كثير رحمه الله: ( أي ومن يتق الله فيما أمره به، وترك ما نهاه عنه يجعل له من أمره مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب، أي من جهة لا تخطر بباله ).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً أي ينجيه من كل كرب الدنيا والآخرة، ويرزقه من حيث لا يحتسب أي من حيث لا يرجو ولا يأمل ).
ويقول الله تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون [الأعراف:96].
يقول العلامة السعدي رحمه الله: ( .. لو أن أهل القرى آمنوا بقلوبهم إيماناً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله تعالى ظاهراً وباطناً بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدراراً، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيش وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب.. ) أهـ.
ولكن ما هي التقوى التي جعلها الله سبباً لجلب الرزق، وأخبر أنه يرزق أهلها بغير حسبا؟!
التقوى هي أن تجعل بينك وبين ما يضرك وقاية تحول بينك وبينه، أن تفعل ما يأمرك به الله، وتجتنب ما ينهاك عنه؛ فلا يجدك حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك، شعارك أمره ونهيه، وحول هذا المعنى جاءت عبارات السلف في تعريفها وبيانها.
يقول ابن مسعود عن تعريف التقوى: ( أن يُطاع فلا يُعصى، ويذكر فلا يُنسى، وأن يُشكر فلا يكفر ).
ويقول ابن عباس رضي الله عنهما: ( المتقون الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى، ويرجون رحمته في التصديق بما جاء به ).
ويقول طلق بن حبيب: ( التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله. وأن تترك معصية اله على نور نم الله تخاف عقاب الله ).
وسُئِل أبو هريرة عن التقوى فقال: (هل أخذت طريقاً ذا شوك؟ قال: نعم. قال: فكيف صنعت؟ قال: إذا رأيت الشوك عزلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه. قال: ذاك التقوى ). وأخذ هذا المعنى ابن المعتمر فقال:
خلِّ الذنوب صغيرهـا *** وكبيرها فهــــو التقى
واصنع كماشٍ فوق أر *** ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرنَّ صغيــرةً *** إن الجبالَ من الحصــى
فحريٌّ بك أخي الحبيب إذا كنت ترغب في سعة الرزق ورغد العيش أن تتقي الله تعالى في كل شئونك، في بيتك وعملك وأهلك وأولادك، وأن تحفظ نفسك عما يؤثم، وأن تمتثل أوامر ربك، وتجتنب نواهيه وأن تصن نفسك عما تستحق به العقوبة من فعل منكر أو ترك معروف.
ا