* * الخوف ..كيف يؤثر على الشخصية ؟!
فإذا نما شعور الخوف في شخص نتيجة تجربة قاسية مرت به أو خطأ ارتكبه فإن ذلك سوف يورثه تراجعا في نموه الشخصي والتأثيري , وانظر ههنا كيف يوجه الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم نحو ذلك المعنى ويقول " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف , وفي كل خير , احرص على ما ينفعك ولا تعجز ...الحديث " رواه مسلم
وانظر كيف عالج النبي صلى الله عليه وسلم مواقف الخوف عند أصحابه علاجا لا مثيل له , فبينما هم عائدون من غزوة أحد وجراحهم بعد تنزف نزفا ترسل إليهم قريش أنها ستأتيهم لتستأصل شأفتهم ..فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: " حسبنا الله ونعم الوكيل " ويأمر أحابه أن يخرجوا إليهم في حمراء الأسد ويؤكد ألا يخرج معه إلا من شهد أحدا .. !! إنه يداوي جراح الألم ويزيل أثر الضعف ويؤكد على معنى الثبات والتأثير والفداء ..
والخوف عادة يخفي ميزات الشخصية ويبديها ضعيفة منكسرة باهتة , وانظر لمن يلقى خصمه وهو خائف منه كم ينظر إليه خصمه باستهتار واستعلاء ... ودعونا نتذكر موقف شيخ الإسلام ابن تيمية في لقائه بقازان ملك التتر وحديثه الجريء معه وثباته وصلابته وقوته في الحق الأمر الذي جعل قازان يهابه كما لم يهب أحدا قبله وهو الوحيد الغريب وهذا ملك متوج !! يروي تلاميذ شيخ الإسلام أنه قد ذهب للقاء قازان في عدد من العلماء وأنهم لما رأوا جرأته على الملك خشوا من مصاحبته في طريق عودته فسلكوا طريقا آخر وتركوه وحده , ثم إنهم قد تلقفهم اللصوص وسرقوا ثيابهم , ودخلوا البلاد بلا أثواب بينما شيخ الإسلام يعود مظفرا !!
* * هل بلغنا الرشد النفسي ؟!
كثير من أعراض ضعف الشخصية الذي نعاني منه يرجع إلى أننا لم نبلغ النضج والرشد على المستوى النفسي بصورة مناسبة , وإنما يكون سبب ذلك عدم اكتمال المنهج التربوي الذي استخدمه الآباء والمربون في نفوسنا وأثناء حياتنا ..
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على تربية أبناء أمته تربية نفسية رشيدة فإذا بهم ينضجون مبكرا ويتحملون مسئولياتهم مبكرا ولا ترى في شخصياتهم عوجا ولا نقصا ..
وكنت كثيرا ما أتحدث للأصدقاء أن المنهج التربوي الإسلامي لم يعترف بتلك الصفات المنقوصة التي جمعها التربويون الغربيون فيما أسموه : " فترة المراهقة " , نعم قد اهتم الإسلام بجميع فترات العمر ولكنه لم يجعل تلك الفترة – كما يصور لنا الغربيون – هي فترة التمرد والغواية والاهتمام بالجسد ونزعاته مع ضعف الحكمة وقلة الإنجاز ..بل لقد أسند النبي صلى الله عليه وسلم قيادة جيش عرمرم لشاب لم يبلغ الثامنة عشر من عمره , وأجاز في الغزوات شبابا في الخامسة عشر من أعمارهم , وكان السابقون من علماء هذه الأمة لا يبلغ أحدهم الثامنة عشر سنه أو أقل من ذلك إلا نضحت فكرته واتضحت طريقته وتحمل مسئوليته كاملة وقام بها على أكمل وجه ..
* * ضياع الهدف وراء ضعف الأثر ..
كل نشاط لا هدف له يدل على حقيقة خافية ، وهي وجود مركب نقص لدى الإنسان ، فالإنسان العشوائي الذي غم عليه هدفه ما يزال يتخبط في سلوكه , فتضيع منه أيامه ولا يكتمل له إنجاز ولا يؤثر في محيطه ومجتمعه تأثيرا إيجابيا ..
ومن هنا نستطيع أن نقول أن انطلاق منظومة من الأهداف التربوية في كل مرحلة من مراحل العمر مأخوذة من المنهج القرآني وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم صار واجبا ملحا على كل القائمين بالعملية التربوية سواء على مستوى التنظير لها أو التطبيق , لأن تربية لا تتضح أهدافها ومعالمها في نفس المرء لا تورثه إلا ذوبانا في غيره وضعفا في شخصيته ..